دل بييرو واليوفي.. ارتباط أبدي

مكتوب – يوم السادس عشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 2007 سيبقى في ذاكرة عشاق فريق يوفنتوس الإيطالي طوال أيام الموسم الكروي الحالي، فبعد مفاوضات مجهولة المعالم قرر قائد الفريق ونجم الكرة الإيطالية أليساندرو دل بييرو في هذا اليوم البقاء مع الفريق وتمديد تعاقده معه حتى عام 2010.

والحقيقة أن أحدا لم يتوقع أن تظهر لدى دل بييرو شكوكا في امكانية بقائه مع اليوفي، خاصة وأنه أعطى كل ما عنده للفريق منذ موسم 1992/1993 وقاده للعديد من الألقاب، لكن المشاكل التي عانى منها اللاعب في الآونة الأخيرة خاصة بعد جلوسه على مقاعد البدلاء إضافة إلى عدم استدعائه من قبل روبرتو دونادوني مدرب المتخب الآزوري، خلق شكوكا حول تسرب الاحباط في نفس دل بييرو الذي قد يرغب في خوض مغامرة جديدة بعيدة عن عالم الكالتشو.

وضع عشاق اليوفي أيديهم على قلوبهم منذ بداية الموسم، واتضح فيما بعد أن تلك المخاوف مجرد أوهام لا وجود لها في الواقع، دل بييرو باق مع يوفنتوس والفرصة سانحة أمامه لإحراز بطولات جديدة.

قرار التمسك لهذه الدرجة بدل بييرو لم يأتي من فراغ، مكانة هذا اللاعب في يوفنتوس كمكانة راؤول في ريال مدريد، توتي في روما، زانيتي في انتر ميلان، ومالديني في أي.سي ميلان، إنه الفتى الذهبي والطفل المدلل وصاحب الشعبية الأكبر خلال السنوات العشر الماضية، قدراته ومواهبه جعلت منه واحد من أفضل اللاعبين الذين أنجبتهم ملاعب الكرة الإيطالية، ولم يكن غريبا أن يسميه أسطورة الكرة البرازيلية بيليه ضمن قائمة أفضل 125 لاعب كرة في العالم، كما اختاره الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" من بين أفضل 50 لاعبا في القارة العجوز، وسطر اللاعب اسمه بين عظماء المشاهير عام 2000 عندما أصبح اللاعب الأعلى دخلا في العالم بعد حساب رواتبه ومكافآته ودخله من الإعلانات التجارية.

أسلوب لعبه بسيط، فهو يتمركز بين رأس الحربة ولاعب الوسط المهاجم، أي يقوم بدور المهاجم المساند، وهو يتميز بقدرته على صناعة الأهداف أكثر من تسجيلها علما بأن سجله التهديفي ملفت للنظر، ولديه القدرة على تسديد الضربات الحرة الثابتة باتقان شديد إضافة إلى ركلات الجزاء.

ويحمل دل بييرو الرقم القياسي في عدد الأهداف مع يوفنتوس، ويحل سادسا من حيث عدد الأهداف المسجلة من قبل لاعب واحد في دوري أبطال أوروبا، ويتقاسم المركز الرابع مع الأسطورة روبرتو باجيو في قائمة أفضل الهدافين مع المنتخب الإيطالي.

ولد دل بييرو في مدينة فينيتو الإيطالية في التاسع من تشرين الثاني/أكتوبر عام 1974، والده جينو كان عامل كهرباء، لعب كرة القدم في فناء منزله منذ سن الثالثة مع ثلاثة من أصدقائه، أخاه ستيفانو الذي يكبره بتسع سنوات ارتبط هو الآخر بكرة القدم ولعب لفريق سمبدوريا قبل أن تفتك به الإصابة، وعندما كبر أليساندرو قليلا قرر أنه يريد العمل كسائق شاحنة لكي يستطيع السفر هنا وهناك خاصة وأن عائلته التي كانت تقطن في مدينة سان فيندوميانو لم تمتلك المال الكافي للسفر.

لعب دل بييرو لفريق الأشبال في نادي سان فينديميانو وهو في سن السابعة، اعتقدت أمه برونا في تلك الفترة أنه من الأفضل لابنها أن يلعب كحارس مرمى والسبب في ذلك كان خوفها عليه من الإصابات والجهد الكبير، لكن ستيفانو أقنع والدته بأن شقيقه الصغير يستطيع اللعب جيدا في خط الهجوم، وهو ما تحقق فعلا.

لفت دل بييرو أنظار كشافي الأندية بقدراته الاستثنائية، وقرر نادي بادوفا التعاقد معه وهو في سن الثالثة عشرة، ترك أليساندرو منزل أسرته وذهب ليجرب حظه في عالم الكرة، حصل على فرصته الأولى عام 1991 عندما لعب مع الفريق الأول في بادوفا أربع مباريات بدوري الدرجة الثانية، وفي الموسم التالي لعب عشر مباريات مسجلا أول هدف في مسيرته الاحترافية.

انتقل دل بييرو إلى يوفنتوس عام 1993، لعب مباراته الأولى مع الفريق أمام فوجيا وسجل أول أهدافه في مباراته الثانية مع الفريق في مرمى ريجينا، وفي اول مباراة شارك بها كلاعب أساسي سجل ثلاثة أهداف في مرمى بارما، وفي موسم 1994/1995 ساهم في إحراز يوفنتوس أول بطولة دوري له منذ ثمانية مواسم.

ومنذ ذلك الوقت يترك دل بييرو بصمة له مع اليوفي أينما ذهب، فاز معه بدوري أبطال أوروبا عام 1996، وتوج هدافا للمسابقة ذاتها في موسم 1997/1998 برصيد عشرة أهداف، وهو نفس الموسم الذي سجل فيه 21 هدفا مع يوفنتوس في الدوري المحلي.

تعرض دلي ببيرو لهزتين في موسم 1998/1999، الأولى تمثلت في خضوعه لتحقيقات حول تورط لاعبي يوفنتوس بقضية تعاطي منشطات، والثانية ظهرت عندما أصيب في ركبته أمام أودينيزي ولم يستطع إكمال الموسم، يقول البعض أن تلك الإصابة الخطيرة حدت من قدرات دل ببيرو حتى يومنا هذا.

وما يميز دل بييرو فعلا هو الدور الذي يقوم به على أرض الميدان فمهما ضم الفريق من مهاجمين، يتمكن النجم الإيطالي من المحافظة على مكانه الأساسي، وفي يوم وليلة يتحول دل بييرو إلى القوة الكامنة وراء تسجيل هؤلاء المهاجمين للأهداف من خلال رؤيته الثاقبة لكل صغيرة وكبيرة، لقد كان دل بييرو الممول الرئيسي لأهداف جيانلوكا فياللي وفابريتسيو رفانيللي وكريستيان فييري وفيليبو انزاغي وديفيد تريزيغيه وزلاتان ابراهيموفتيش، وبالإضافة إلى تصدره لائحة هدافي يوفنتوس عبر التاريخ فإن اللاعب الإيطالي نجح في تمثيل فريق السيدة العجوز في أكثر من 500 مباراة رسمية.

الأمر الذي يحزن دل بييرو هو عدم فدرته على ترك بصمة حقيقية له مع منتخب بلاده، لعب أول بطولة رسمية مع الفريق في كأس أوروبا 1996، لعب شوطا واحدا بالدور الاول أمام روسيا وتم استبداله ليبقى على مقاعد البدلاء طوال مشاركة الآزوري التي انتهت مع ختام الدور الأول.

في كأس العالم 1998، تنافس مع روبرتو باجيو طوال البطولة للحصول على مكان أساسي له مع الفريق الذي خرج على يد فرنسا في ربع النهائي، ولامته الصحافة الإيطالية كثيرا بعد نهائي كأس أوروبا عام 2000 عندما أضاع فرصتين كانتا كفيلتين بحسم المباراة لمصلة الطليان الذين خسروا المباراة أمام الديوك الفرنسية بهدف تريزيغيه الذهبي (1-2).

عاد دل بييرو للمنتخب الإيطالي في تصفيات كأس العالم عام 2002 حيث سجل هدفا حاسما أمام المجر أهدى من خلاله بطاقة التأهل لمنتخب بلاده، وفي النهائيات سجل هدفا من اللمسة الاولى له أمام المكسيك (1-1) لينتقل الطليان إلى الدور الثاني من المسابقة دون أن يتمكنوا من الانتقال إلى الدور ربع النهائي حيث خسروا أمام كوريا الجنوبية.

وأبرز محطة له مع المنتخب الإيطالي كانت في كأس العالم الماضية عام 2006 عندما سجل الهدف الثاني لبلاده في مرمى ألمانيا (2-0) بالدور نصف النهائي، وسجل بنجاح ركلة ترجيحية في النهائي امام فرنسا، ليساهم في إحراز اللقب العالمي الرابع في تاريخ إيطاليا.

وبعد سحب لقبي الدوري الإيطالي موسمي 2004/2005 و2005/2006 من يوفنتوس بعد تورطه في فضيحة التلاعب بالنتائج التي هزت عرين الكرة الإيطالية صيف عام 2006 الأمر الذي أدى لهبوط اليوفي إلى الدرجة الثانية، رفض دل بييرو ترك الفريق ولعب معه في دوري "المظاليم" مساهما في عودته لدوري الأضواء بإحرازه عشرين هدفا في المسابقة.

وفي نظرة مختصرة لإنجازات دل بييرو نجد أنه أحرز بطولة الدوري الإيطالي مع يوفنتوس خمس مرات مواسم 1994/1995 و1996/1997 و1997/1998 و2001/2002 و2002/2003، وكأس إيطاليا مرة واحدة عام 1995، وكأس السوبر الإيطالي أربع مرات أعوام 1995 و1997 و2002 و2003 ودوري أبطال أوروبا مرة واحدة عام 1996 وكأس السوبر الأوروبية وكأس الانتركونتيننتال في نفس العام، إضافة إلى كأس العالم مع المنتخب الإيطالي عام 2006، وبطولة أوروبا للشباب عامي 1994 و1996.

سجله التهديفي في الدوري الإيطالي (الدرجتين الأولى والثانية) يضم حتى يومنا هذا 175 هدفا توزعت على النحو التالي: هدف واحد في الدرجة الثانية مع بادوفا موسم 1992/1993، خمسة أهداف مع يوفنتوس في موسم 1993/1994، ثمانية أهداف في موسم 1994/1995، ستة أهداف في موسم 1995/1996، ثمانية أهداف في موسم 1996/1997، 21 هدفا في موسم 1997/1998، هدفان في موسم 1998/1999، تسعة أهداف في موسم 1999/2000، تسعة أهداف في موسم 2000/2001، 16 هدفا في موسم 2001/2002، 16 هدفا في موسم 2002/2003، ثمانية أهداف في موسم 2003/2004، 14 هدفا في موسم 2004/2005، 12 هدفا في موسم 2005/2006، و20 هدفا في الدرجة الثانية موسم 2006/2007، وهدف واحد حتى الآن في الموسم الحالي.

يستحق دل بييرو هذا التمسك الشديد به من قبل محبي يوفنتوس، إنهم محظوظون لوجود هذا اللاعب الرائع الذي مازال بجعبته الكثير ليقدمه مع البيانكونيري في المواسم المقبلة.

مشكور